اليوم كان موعدنا للقاء المجموعات التي نقدم لها خدمات الدعم النفسي الجماعي، والتي تضم بين حناياها أفراد من اللاجئين السوريين وآخرين من جيرانهم الأردنييين المقيمين في منطقة البلقاء، مجموعات من النساء ومجموعات أخرى من الرجال. كنت في خاطري أتوق لرؤيتهم حيث سبق لي العمل معهم ضمن برنامج صوت الذي يقدم الدعم القانوني من ناحية والدعم النفسي والاجتماعي من الناحية الأخرى، وقد تزامن ذلك مع بدايات عملي في المنظمات الإنسانية .
في الطريق تقاذفتني مشاعر الحماس للقياهم، والرهبة من خوض غمار رحلة جديدة قد لا يتمتع مسافريها بالرغبة الكافية لأدائها. ولكن مشاعر الحماس فاقت الرهبة فجعلتني أتطلع لرؤيتهم والاجتماع بهم وسماع أخبارهم .
وما أن بلغنا وجهتنا وبدأ أعضاء المجموعات بالتوافد كان اللقاء الحار بيني وبينهم، رحبوا بي أشد ترحيب، واستقبلوني كالأصدقاء الحميمين أدهشني أنهم ما يزالون يذكرونني على الرغم من ثقتي بوجود العديد من المختصين وفي مختلف المجالات الذين يلتقون بهم محاولين مساعدتهم بشتى الطرق والوسائل، ناهيك عن مرور ما يقارب الثلاثة أشهر على آخر لقاء كان بيننا!
ولكن حلقات الدهشة لم تتوقف عند ذلك بل تصاعدت لتبلغ حد السعادة القصوى مما عبر عنه المشاركين عند سؤالهم عن الدافع الذي جعلهم يحضرون اليوم لهذه الجلسة، وهنا كانت المفاجأة المذهلة من مدى التغييرات التي استطاعت جلسات الدعم النفسي والاجتماعي خلقه في حياة هؤلاء الأفراد.
تغييرات جذرية في حياة أحدهم الذي كان في قمة الإحباط من ظروف اللجوء ومفارقة الوطن والأهل مما جعله مصراً على العودة إلى سوريا قبل دخول فصل الشتاء، الذي كان آنذاك قاب قوسين أو أدنى، أخبرنا أن جلسات الدعم النفسي قد أحالته إلى إنسان متفائل، حسن الهندام، يستشعر حلاوة الدنيا في ملذاتها البسيطة، وانتظمت حياته بحكم دخول أولاده للمدارس واندماجهم وتكيفهم هناك.
وها هنا سيدة أخرى كانت تعاني ظروف الوحدة والإنعزال والبعد الجغرافي عن باقي أفراد مجتمعها، أصبحت بفضل جلسات الدعم أقرب من الجميع، دائمة الاتصال بكافة العضوات، تتواصل معهن، يدعمنها وتدعمهن، والأجمل من ذلك أصبحت البسمة تنير وجهها بدلاً من ذاك العبوس الذي كان يعكر صفو قسمات وجهها.
والعديد العديد من الأمثلة لقصص من أفراد تلك المجموعات، جميعها تبشر بغدٍ أفضل لأصحابها. مذهلة هي تلك التغييرات التي أحدثتها جلسات الدعم النفسي والاجتماعي في حياة متلقيها، مذهلة لدرجة تدعوك لتأمل هذه الخدمة ومحاولة تحليل الأسباب الكامنة وراء هذه القوة التغيرية. والتي لعل من أسبابها الطاقة الإيجابية المتولدة من شعور هؤلاء الأفراد بوجود أناس مهتمين بهمومهم ومشاعرهم وألمهم النفسي، أو لعلها الفرصة المتاحة للتعبير عن الدواخل والمكنونات هي التي ساعدت على إجراء التحولات في حياة هؤلاء الأفراد، وربما كانت مشاركة الخبرات مع آخرين يعانون ذات المعاناة هي التي عملت على الحد من الإنعكاسات السلبية لها وخلق قوة دافعة باتجاه الحياة مجدداً، أو لعله الضغط النفسي الشديد الذي يعيقنا عن رؤية الحلول التي تكون أحيانا أمامنا، وتجعلنا بحاجة إلى شمعة صغيرة تنير لنا دربنا في عتمة الألم .
ولكن أياً كانت الأسباب فتبقى النتائج المبهرة لهذه الخدمة حقيقة واضحة وساطعة، فتباركت جهود الذين يستطيعون أن ينيروا ولو شمعة في عتمة تائهٍ في الظلام بدعمهم ومجهودهم.
– د. لينا الدراس – أخصائية الدعم النفسي والاجتماعي في منظمة “أرض-العون القانوني”